الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****
2 - اللّبن إمّا أن يكون من حيوانٍ أو من آدميٍّ فإن كان من حيوانٍ حيٍّ مأكول اللّحم كالبقر والغنم فهو طاهر بلا خلافٍ, لقوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ}. إلا أنّ الفقهاء اختلفوا في طهارة لبن بعض الحيوانات, تبعاً لاختلافهم في حلّ أكلها, فما حلّ أكله كان لبنه طاهراً, ومن أمثلة ذلك: أ - لبن الفرس: 3 - لبن الفرس طاهر حلال عند الشّافعيّة والحنابلة وأبي يوسف ومحمّدٍ من الحنفيّة ، واختلف النّقل عن أبي حنيفة فروى الحسن عنه الكراهة في سؤره كما في لبنه, وقيل: لا بأس بلبنه, لأنّه ليس في شربه تقليل آلة الجهاد. ولبن الفرس نجس عند المالكيّة بناءً على تبعيّة اللّبن للّحم, فقد قالوا: لبن غير الآدميّ تابع للحمه في الطّهارة بعد التّذكية فإن كان لحمه طاهراً بعد التّذكية وهو المباح والمكروه الأكل فلبنه طاهر وإن كان نجساً بعد التّذكية وهو محرّم الأكل فلبنه نجس, والفرس من الحيوانات المحرّمة عندهم. ب - لبن الحمر الأهليّة: 4 - رخّص في ألبان الحمر الأهليّة عطاء وطاووس والزهري, بينما هي نجسة محرّمة عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وهي مكروهة عند الحنفيّة. ج - لبن الجلالة: 5 - الجلالة ذات اللّبن ممّا يؤكل لحمه كالإبل أو البقر أو الغنم الّتي يكون أغلب أكلها النّجاسة كره شرب لبنها الحنفيّة والحنابلة وهو الأصح عند الشّافعيّة - كما قال النّووي - إذا ظهر نتن ما تأكله في ريحها وعرقها. ومقابل الأصحّ عند الشّافعيّة أنّ شرب لبنها حرام, والأصل في ذلك ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: «نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها». ولأنّ لحمها إذا تغيّر يتغيّر لبنها. وعند المالكيّة لبن الجلالة طاهر, ولا يكره شربه, كما رخّص الحسن في لحومها وألبانها, لأنّ الحيوانات لا تنجس بأكل النّجاسات بدليل أنّ شارب الخمر لا يحكم بتنجيس أعضائه. د - لبن ميتة مأكول اللّحم: 6 - لبن ميتة مأكول اللّحم من الحيوان نجس وذلك عند المالكيّة والشّافعيّة, وهو ظاهر المذهب عند الحنابلة, وهو قول أبي يوسف ومحمّدٍ من الحنفيّة, وذلك لأنّ اللّبن مائع في وعاءٍ نجسٍ فكان نجساً كما لو حلب في وعاءٍ نجسٍ. وعند أبي حنيفة وهو رواية عند الحنابلة لبن ميتة مأكول اللّحم طاهر لقول اللّه تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ}, وصف اللّبن مطلقاً بالخلوص والسيوغ مع خروجه من بين فرثٍ ودمٍ, وهذا آية الطّهارة, وكذا الآية خرجت مخرج الامتنان, والمنّة في موضع النّعمة تدل على الطّهارة, والصّحابة رضي الله تعالى عنهم أكلوا الجبن لمّا دخلوا المدائن, وهو يعمل بالإنفحة, وهي تؤخذ من صغار المعز فهو بمنزلة اللّبن, وذبائحهم ميتة. ما سبق إنّما هو بالنّسبة للحيوان الحيّ المأكول اللّحم وميتته. 7 - وذهب الفقهاء إلى أنّ لبن الحيوانات المتّفق على حرمة أكلها نجس حيّةً كانت أو ميّتةً, يقول ابن قدامة: حكم الألبان حكم اللّحمان, وفي نهاية المحتاج: لبن ما لا يؤكل كلبن الأتان نجس لكونه من المستحيلات في الباطن فهو نجس, وفي جواهر الإكليل: لبن غير الآدميّ المحلوب في حال الحياة أو بعد موته تابع للحمه في الطّهارة وعدمها, وفي الفتاوى الهنديّة: الحمار الأهلي لحمه حرام فكذلك لبنه.
8 - لبن الآدميّ الحيّ طاهر باتّفاقٍ, سواء أكان من امرأةٍ أم من رجلٍ إذ لا يليق بكرامته أن يكون منشؤُه نجساً. أمّا لبن الآدميّ الميّت فهو طاهر عند الحنفيّة والشّافعيّة وهو الظّاهر من مذهب الحنابلة, لأنّ اللّبن لا ينجس بالموت بل هو طاهر بعد الموت وإن تنجّس الوعاء الأصلي له, ونجاسة الظّرف إنّما توجب نجاسة المظروف إذا لم يكن الظّرف معدناً للمظروف وموضعاً له في الأصل, فأمّا إذا كان في الأصل موضعه ومظانه فنجاسته لا توجب نجاسة المظروف. وقال المالكيّة: إنّ لبن الآدميّ الميّت نجس, وقيل: إنّه طاهر.
9 - بيع لبن الحيوان المأكول اللّحم بعد حلبه جائز بلا خلافٍ بين الفقهاء, لأنّه طاهر منتفع به مقدور على تسليمه. واختلف الفقهاء في عدّة مسائل. أ - بيع اللّبن في الضّرع: 10 - ذهب جمهور الفقهاء الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى عدم جواز بيع اللّبن في الضّرع. وقد علّله الشّافعيّة والحنابلة بأنّه مجهول الصّفة والمقدار, فقد يرى امتلاء الضّرع من السّمن فيظن أنّه من اللّبن, ولأنّ اللّبن قد يكون صافياً وقد يكون كدراً, وذلك غرر من غير حاجةٍ فلم يجز, ولأنّه بيع عينٍ لم تخلق. وعلّل الحنفيّة المنع بأنّ اللّبن لا يجتمع في الضّرع دفعةً واحدةً, بل شيئاً فشيئاً فيختلط المبيع بغيره على وجهٍ يتعذّر التّمييز بينهما, فكان المبيع معجوز التّسليم عند البيع فلا ينعقد البيع, وقد روى ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «نهى أن يباع صوف على ظهر غنمٍ أو لبن في ضرعٍ». وأجاز المالكيّة بيع اللّبن في الضّرع لشياهٍ بأعيانها في إبّان لبنها إذا سمّى شهراً أو شهرين أو ثلاثةً وكان قد عرف وجه حلابها وكانت الغنم كثيرةً. أمّا إن كان الشّاة أو الشّاتين فاشترى رجل حلابها على كذا وكذا شهراً بكذا وكذا درهماً فلا, إلا أن يبيع لبنها كيلاً كل قسطٍ بكذا وكذا. وكذلك أجاز بيع اللّبن في الضّرع الحسن وسعيد بن جبيرٍ ومحمّد بن مسلمة, وكرهه طاووس ومجاهد.
11 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة وهو الأصح عند الحنابلة إلى جواز بيع لبن الآدميّة إذا حلب, لأنّه لبن طاهر منتفع به, ولأنّه لبن أبيح شربه, فأبيح بيعه قياساً على سائر الأنعام, ولأنّه يجوز أخذ العوض عنه في إجارة الظّئر, فأشبه المنافع. ولا يجوز بيعه عند الحنفيّة وهو قول جماعةٍ من الحنابلة, لأنّ اللّبن ليس بمالٍ فلا يجوز بيعه, والدّليل على أنّه ليس بمالٍ إجماع الصّحابة رضي الله عنهم والمعقول, أمّا إجماع الصّحابة فما روي عن عمر وعليٍّ رضي الله تعالى عنهما أنّهما حكما في ولد المغرور بالقيمة وبالعقر بمقابلة الوطء, وما حكما بوجوب قيمة اللّبن بالاستهلاك, ولو كان مالاً لحكما, وكان ذلك بمحضرٍ من الصّحابة ولم ينكر عليهما أحد فكان إجماعاً, وأمّا المعقول فلأنّه لا يباح الانتفاع به شرعاً على الإطلاق, بل لضرورة تغذية الطّفل, وما حرم الانتفاع به شرعاً إلا لضرورةٍ لا يكون مالاً, والدّليل عليه أنّ النّاس لا يعدونه مالاً, ولا يباع في سوقٍ من الأسواق, ولأنّه جزء من الآدميّ, والآدمي بجميع أجزائه محترم مكرّم, وليس من الكرامة والاحترام ابتذاله بالبيع والشّراء. وكره بيعه أحمد. وفي ظاهر الرّواية عند الحنفيّة لا فرق بين لبن الحرّة ولبن الأمة في عدم جواز البيع, لأنّ الآدميّ لم يجعل محلاً للبيع إلا بحلول الرّقّ فيه, والرّق لا يحل إلا في الحيّ, واللّبن لا حياة فيه, فلا يحله الرّق, فلا يكون محلاً للبيع. وعند أبي يوسف يجوز بيع لبن الأمة لأنّه جزء من آدميٍّ هو مال, فكان محلاً للبيع كسائر أجزائه.
12 - يجوز السّلم في اللّبن عند الشّافعيّة, وفي الأصحّ عند الحنابلة, ويشترط ذكر جنس حيوانه ونوعه ومأكوله من مرعىً أو علفٍ معيّنٍ بنوعه. واللّبن المطلق يحمل على الحلو وإن جفّ. ويصح السّلم في اللّبن كيلاً ووزناً عند الشّافعيّة والحنابلة, ويوزن برغوته, ولا يكال بها لأنّها لا تؤثّر في الميزان. ونقل المروزيّ عن أحمد أنّه يجوز السّلم في اللّبن إذا كان كيلاً أو وزناً. قال ابن قدامة: وهذا أصح إن شاء اللّه تعالى, لأنّ الغرض معرفة قدره وخروجه من الجهالة وإمكان تسليمه من غير تنازعٍ, فبأيّ قدرٍ قدّره جاز. وعند الشّافعيّة لا يصح السّلم في حامض اللّبن لأنّ حموضته عيب إلا في مخيضٍ لا ماء فيه, فيصح فيه ولا يضر وصفه بالحموضة لأنّها مقصودة فيه. ويصح السّلم في المخيض عند الحنابلة ولو كان فيه ماء, لأنّ الماء يسير يترك لأجل المصلحة, وقد جرت العادة به, فلم يمنع صحّة السّلم فيه. وعند المالكيّة نقل الموّاق عن المدوّنة: لا بأس بالسّلم في اللّبن والجصّ والزّرنيخ وشبه ذلك. واختلفت النقول عند الحنفيّة, ففي البدائع: يشترط في المسلم فيه أن يكون موجوداً من وقت العقد إلى وقت الأجل, فإن لم يكن موجوداً عند العقد أو عند محلّ الأجل, أو كان موجوداً فيهما لكنّه انقطع من أيدي النّاس فيما بين ذلك كالثّمار والفواكه واللّبن وأشباه ذلك, لا يجوز السّلم عندنا. بينما جاء في الفتاوى الهنديّة: إذا أسلم في اللّبن في حينه كيلاً أو وزناً معلوماً إلى أجلٍ معلومٍ جاز.
13 - ذهب الشّافعيّة وهو قول المالكيّة ورواية عن أحمد إلى أنّ من مرّ بماشية غيره وهو غير مضطرٍّ لم يكن له أن يحلبها ليشرب لبنها إلا بإذن صاحبها, لما روى ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحلبن أحد ماشية امرئٍ بغير إذنه ، أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته فينتقل طعامه ، فإنّما تخزن لهم ضروع ماشيتهم أطعماتهم ، فلا يحلبن أحد ماشية أحدٍ إلا بإذنه» وفي روايةٍ: «فإنّ ما في ضروع مواشيهم مثل ما في مشاربهم», ولقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفسٍ». واستثنى كثير من السّلف ما إذا علم بطيب نفس صاحبه وإن لم يقع منه إذن خاص ولا عام. وفي الرّواية الثّانية لأحمد وهو قول عند المالكيّة أنّه يجوز لمن مرّ بماشية أن يحلب ويشرب ولا يحمل معه شيئاً, لما روى الحسن عن سمرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أتى أحدكم على ماشيةٍ فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه ، فإن أذن له فليحتلب وليشرب ، وإن لم يكن فيها أحد فيصوّت ثلاثاً فإن أجابه أحد فليستأذنه ، فإن لم يجبه أحد فليحتلب وليشرب ولا يحمل». وقال ابن حجرٍ: ذهب كثير من السّلف إلى الجواز مطلقاً في الأكل والشرب, سواء علم بطيب نفس صاحبه أو لم يعلم. والأقوال الّتي ردّت عند المالكيّة هي بالنّسبة لغير المحتاج, أما بالنّسبة للمحتاج فقد قالوا: إن كان محتاجاً جاز له ذلك من غير خلافٍ - أي بين فقهاء المذهب -.
14 - الألبان من الرّبويّات الّتي لا يجوز بيع بعضها ببعض إذا كانت جنساً واحداً إلا مثلاً بمثل يداً بيد. وقد اختلف الفقهاء فيما يعتبر جنساً واحداً من الألبان وما لا يعتبر. فعند جمهور الفقهاء الحنفيّة وهو الأظهر عند الشّافعيّة وفي روايةٍ عند الحنابلة الألبان أجناس, لأنّها تتولّد من الحيوان, والحيوان أجناس, فالضّأن والمعز جنس واحد لا يباع أحدهما بالآخر إلا مثلاً بمثل يداً بيد, والبقر والجواميس جنس واحد لا يباع أحدهما بالآخر إلا مثلاً بمثل, وعلى ذلك يجوز بيع لبن البقر بلبن الغنم متفاضلاً. وعند المالكيّة والرّواية الثّانية عند الحنابلة ومقابل الأظهر عند الشّافعيّة أنّ الألبان جنس واحد, ألبان الضّأن والمعز والبقر والجواميس فلا يباع بعضها ببعض إلا مثلاً بمثل يداً بيد.
1 - اللّثام في اللغة هو ما على الفم أو الشّفة من النّقاب, والجمع لُثم, والتّلثم هو شد اللّثام, والمَلْثَم: موضع اللّثم وهو الأنف ما حوله. ولا يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللّفظ عن المعنى اللغويّ.
أ - القناع: 2 - القناع والمقنعة ما تتقنّع به المرأة من ثوبٍ تغطّي رأسها ومحاسنها. والتّقنع - كما عرّفه العيني - هو تغطية الرّأس وأكثر الوجه برداء أو غيره. ب - الخِمار: 3 - الخِمار بكسر الخاء هو ما تغطّي به المرأة رأسها, وكل ما ستر شيئاً فهو خمار.
4 - لا خلاف بين الفقهاء في كراهة التّلثم - وهو تغطية الأنف والفم - في الصّلاة. قال ابن المنذر: كل من أحفظ عنه من أهل العلم يكره التّلثم وتغطية الفم في الصّلاة إلا الحسن, فإنّه كره التّلثم ورخّص في تغطية الفم. وكره ابن عمر وسعيد والحسن البصري والأوزاعي ومالك وأحمد وإسحاق التّلثم في الصّلاة. وللتّفصيل: (ر: صلاة ف 86).
5 - ذهب الفقهاء إلى أنّ إحرام المرأة في وجهها فلا يجوز لها ستر وجهها, وإذا احتاجت إلى ستر الوجه لمنع أبصار الأجانب سدلت ثوباً على وجهها متجافياً عن بشرة الوجه, قالت عائشة رضي الله عنها: «كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم محرماتٍ ، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها ، فإذا جاوزنا كشفناه» وقالت كذلك: «المحرمة تلبس من الثّياب ما شاءت إلا ثوباً مسّه ورس أو زعفران ، ولا تتبرقع ولا تلثّم وتسدل الثّوب على وجهها إن شاءت». وللتّفصيل (ر: إحرام ف 67).
1 - اللّحاق واللحوق واللّحق لغةً الإدراك. يقال: لحق الشّيء وألحقه ولحق به وألحق لحاقاً أدركه, ولَحِقْتُ به ألحق: من باب تعب, ومصدره لحاق بالفتح, وألحقت زيداً بعمرو أتبعته إيّاه فلحق هو به وألحق أيضاً: وفي الدعاء: إنّ عذابك الجد بالكفّار ملحق. وألحق القائف الولد بأبيه: أخبر بأنّه ابنه لشبه بينهما يظهر له, واستلحقت الشّيء ادّعيته. ولحقه الثّمن لحوقاً لزمه, فاللحوق اللزوم. ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ.
الاستلحاق: 2 - الاستلحاق لغةً مصدر استلحق: يقال استلحقه ادّعاه, والاستلحاق أيضاً طلب لحوق الشّيء. واصطلاحاً: ادّعاء رجلٍ أنّه أب لهذا الولد. والصّلة بين اللّحاق والاستلحاق العموم والخصوص, فاللّحاق يكون في النّسب وغيره والاستلحاق لا يكون إلا في النّسب.
تتعلّق باللّحاق أحكام متنوّعة بحسب اختلاف موضوعها ومن ذلك:
3 - اتّفق الفقهاء على أنّ الرّجل إذا قذف زوجته البالغة الحرّة بالزّنا أو نفى الحمل ولاعنها لم يلحق الولد به ولحق بأمّه. وتفصيل ذلك في مصطلح: (لعان ف 25).
4 - اختلف الفقهاء في تحديد أقصى مدّة الحمل وما يترتّب على ذلك من لحاق الولد بالزّوج: فذهب الشّافعيّة وهو ظاهر المذهب عند الحنابلة وقول عند المالكيّة: إلى أنّ المرأة المعتدّة من طلاقٍ أو موتٍ ولم تنكح حتّى أتت بولد لأربع سنين فإنّه يلحق بالزّوج وتنقضي عدّتها به. وذهب الحنفيّة وأحمد في روايةٍ إلى أنّ أقصى مدّة الحمل سنتان فيثبت نسب ولد المبتوتة والمتوفّى عنها زوجها إذا أتت به في السّنتين. والقول المشهور عند المالكيّة: أنّ أقصى مدّة الحمل خمس سنين, وقال محمّد بن عبد الحكم من المالكيّة إنّ أقصى مدّة الحمل تسعة أشهرٍ. وتفصيل ذلك في مصطلح: (حملٍ ف 7, ونسبٍ).
5 - ذهب الفقهاء إلى أنّه إذا ادّعى رجل نسب لقيطٍ لحق به, وهناك خلاف وتفصيل بين الفقهاء فيما إذا أقام مدّعي نسب اللّقيط بيّنةً أو كانت دعواه مبنيّةً على مجرّد الإقرار ، وفيما إذا كان مدّعي النّسب مسلماً أو ذمّياً, وفيما إذا ادّعاه رجلان أو أكثر. وبيان ذلك في مصطلح: (لقيطٍ, ف 11, ونسبٍ).
6 - اختلف الفقهاء فيما إذا ادّعت امرأة نسب لقيطٍ هل يلحق ويثبت نسبه منها وهل يلحق بزوجها ؟ وهل للمرأة أن تستلحق مجهول النّسب ؟ وتفصيل ذلك في مصطلح: (لقيطٍ ف 11, ونسبٍ).
7 - قال المالكيّة إذا حملت المرأة من منيٍّ دخل فرجها من غير جماعٍ كحمّام ونحوه فيلحق الولد بزوجها إن كانت ذات زوجٍ وأمكن إلحاقه به, بأن مضى من يوم تزوّجها ستّة أشهرٍ فأكثر, فإن لم تكن ذات زوجٍ أو كانت ولكن لا يمكن إلحاقه به لم يلحقه.
8 - ذهب الفقهاء إلى أنّ ولد المرتدّ إذا حمل به في الإسلام يكون مسلماً, وكذا من حمل به في حال ردّة أحد أبويه والآخر مسلم, أما إذا كان حمله خلال ردّة أبويه كليهما ففيه خلاف وتفصيل ينظر في مصطلح: (ردّةٍ ف 46).
9 - ذهب جمهور الفقهاء: إلى أنّ المرأة المطلّقة الّتي يملك مطلّقها رجعتها يلحقها الطّلاق سواء كان صريحاً أو كنايةً, ويلحقها الظّهار واللّعان, لأنّ الطّلاق الرّجعيّ لا يزيل الملك ولا الحلّ لبقاء الولاية عليها, والرّجعيّة زوجة. وفي قولٍ عند الشّافعيّة رجّحه الغزالي: أنّ الطّلاق الرّجعيّ يقطع النّكاح ويزيل الملك بدليل تحريم الوطء ووجوب المهر ومنع الخلع على قولٍ. ولهم قول آخر: أنّ الطّلاق الرّجعيّ موقوف فإن لم يراجعها حتّى انقضت العدّة تبيّن زوال الملك بالطّلاق, وإن راجع تبيّن بقاء الزّوجيّة.
10 - اختلف الفقهاء في إلحاق ولد المجبوب: فذهب أبو حنيفة وأبو سليمان من الحنفيّة والإصطخري وغيره من الشّافعيّة ويحكى قولاً للشّافعيّ والقاضي من الحنابلة: إلى أنّ امرأة المجبوب إذا أتت بولد يلحق به ويثبت النّسب, لتوهم شغل رحمها بمائه بالسّحق, وقد أتت به وعليها العدّة احتياطاً استحساناً لتوهم الشّغل, والعدّة والولد حق الشّرع. وذهب الشّافعيّة على المذهب وهو الصّحيح عند الحنابلة إلى أنّ مقطوع الذّكر والأنثيين لا يلحقه الولد من امرأته لأنّه لا ينزل ولم تجر العادة بأن يخلق له ولد. وأضاف الشّافعيّة أنّه إن كان مجبوباً بقي أنثياه وكذا مسلول خصيتاه وبقي ذكره يلحق به الولد على المذهب, وقيل: لا يلحقه. وقال مالك إنّ الخصيّ والمجبوب أرى أن يسأل أهل المعرفة بذلك, فإن كان يولد لمثله يلحق به الولد وإلا لم يلحق به.
11 - إذا انعقدت الجمعة صحيحةً وانفضّ عدد من المأمومين ممّن تنعقد بهم الجمعة ثمّ لحق بالإمام ما يكمل به العدد الّذي تنعقد به الجمعة ، ففي ذلك للفقهاء خلاف وتفصيل ينظر في مصطلح: (صلاة الجمعة ف 20).
12 - الأصل أنّ " العبرة للغالب الشّائع لا للنّادر ". وقال عليّ حيدر في تعليقه على هذه القاعدة: الشّائع هو الأمر الّذي يصبح معلوماً للنّاس وذائعاً بينهم, مثال: إنّ الحكم بموت المفقود لمرور 90 سنةٍ من عمره مستند على الشّائع الغالب بين النّاس من أنّ الإنسان لا يعيش أكثر من تسعين عاماً, على أنّ البعض قد يعيش أكثر من ذلك إلا أنّه نادر والنّادر لا حكم له بل يحكم بموته على العرف الشّائع وتقسّم أمواله بين ورثته, كذلك يحكم ببلوغ من له من العمر خمس عشرة سنةً لأنّه هو السّن الشّائع للبلوغ وإن كان البعض لا يبلغ إلا في السّابعة عشرة أو الثّامنة عشرة إلا أنّه نادر فلا ينظر إليه, كذلك الحكم بسبع سنين لمدّة حضانة الصّبيّ وتسعٍ لحضانة البنت مبني على الشّائع المتعارف من أنّ الصّبيّ إذا بلغ السّابعة من عمره يستغني عن معينٍ له في لباسه وأكله واستنجائه مثلاً, والبنت إذا صار عمرها تسع سنواتٍ تصبح مشتهاةٍ في الغالب, واختلاف النموّ في البعض زيادةً ونقصاناً بتأثير التّربية والإقليم لا عبرة له بل المعتبر السّبع سنواتٍ للصّبيّ والتّسع للبنت, لأنّه الشّائع الغالب. إلا أنّ الفقهاء استثنوا من هذه القاعدة مسائل وألحقوا النّادر فيها بالغالب, فقد ذكر القرافي عند شرح قاعدة ما اعتبر من الغالب وبين ما لغي من الغالب أمثلة لما لغي فيه الغالب وقدّم النّادر عليه وأثبت حكمه دونه منها: أ - غالب الولد أن يوضع لتسعة أشهرٍ فإذا جاء بعد خمس سنين من امرأةٍ طلّقها زوجها دار بين أن يكون زناً وهو الغالب وبين أن يكون تأخّر في بطن أمّه وهو نادر بالنّسبة إلى وقوع الزّنا في الوجود, ألغى الشّارع الغالب وأثبت حكم النّادر وهو تأخر الحمل. ب - طين المطر الواقع في الطرقات وممرّ الدّوابّ والمشي بالأحذية الّتي يجلس بها في المراحيض الغالب عليها وجود النّجاسة من حيث الجملة وإن كنّا لا نشاهد عينها والنّادر سلامتها منها ومع ذلك ألغى الشّارع حكم الغالب وأثبت حكم النّادر توسعةً ورحمةً بالعباد فيصلّى به من غير غسلٍ. وقال الزّركشي: ينقسم هذا على أربعة أقسامٍ: أحدها: ما يلحق قطعاً, كمن خلقت بلا بكارةٍ داخلةٍ في حكم الأبكار قطعاً في الاستئذان في الزّواج, وكما إذا خلق له وجهان ولم يتميّز الزّائد يجب غسلهما قطعاً, وكذلك إلحاق الولد بعد أربع سنين, فإنّ بقاءه في بطن أمّه نادر جداً فألحقوه بالغالب, وكذلك إذا أتت به لستّة أشهرٍ ولحظتين من زمن الوطء لحقه مع أنّ ذلك نادر جداً ولكنّ الشّارع أعمل النّادر في هذه الصور ستراً للعباد. الثّاني: ما لا يلحق قطعاً ، كالأصبع الزّائدة لا تلحق بالأصليّة في حكم الدّية قطعاً ونكاح من بالمشرق مغربيّةً لا يلحقه الولد. الثّالث: ما يلحق به على الأصحّ كنقص الوضوء بمسّ الذّكر المقطوع إلحاقاً بالغالب المتّصل, وقيل لا, للندرة بخلاف مسّ العضو المبان من المرأة لا ينقض, وكالنّقض بخروج النّادر من الفرج وجواز الحجر من المذي والودي ونحوهما, وكذلك دم البراغيث يعفى عن قليله قطعاً, وكذا كثيره في الأصحّ, لأنّ هذا الجنس يشق الاحتراز منه في الغالب فألحق نادره بغالبه, وكذا لو طال مدّة اجتماع المتبايعين أيّاماً وأشهراً وهو نادر, فالمذهب بقاء خيارهما إذا لم يتفرّقا, وقيل: لا يزيد على ثلاثة أيّامٍ كالغالب. الرّابع: ما لا يلحق به على الأصحّ, كالّذي يتسارع إليه الفساد في مدّة الخيار لا يثبت فيه خيار الشّرط في الأصحّ, ولو راجت الفلوس رواج النقود فهل تعطى حكمها في باب الرّبا ؟ وجهان أصحهما لا اعتباراً بالغالب.
13 - اختلف الفقهاء في لحاق التّمر بأصول الشّجر عند بيعه في مواضع, منها: اشتراط التّأبير وعدمه, ومنها اشتراط بدوّ الصّلاح, ومنها لحاق بروز النور أو الثّمر بتشقق الطّلع في النّخل. والتّفصيل في مصطلح: (ثمارٍ ف 14).
14 - اختلف الفقهاء في الزّيادة على ثمن المبيع أو الحطّ منه هل يلتحقان بأصل العقد أم لا. والتّفصيل في مصطلحي: (بيعٍ ف 56 وما بعدها, ثمنٍ ف 25 وما بعدها).
انظر: قبر.
1 - اللّحْم واللّحَم لغتان, وهو من جسم الحيوان والطّير: الجزء العضلي الرّخو بين الجلد والعظم. ولحم كلّ شيءٍ لبه, واللّحمة القطعة منه, وجمعه ألحم ولحوم ولحام ولحمان. ولا يخرج استعمال الفقهاء عن هذا المعنى.
الطّعام: 2 - الطّعام لغةً: كل ما يؤكل مطلقاً. ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ. والطّعام يعم اللّحم وغيره.
3 - الأصل في اللحوم الحل ولا يصار إلى التّحريم إلا لدليل خاصٍّ لقوله تعالى: {خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً}, وقوله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ}. وقد اختلف الفقهاء في حكم بعض اللحوم من حيث الحلّ والحرمة والطّهارة والنّجاسة, وبيان ذلك فيما يلي:
4 - اتّفق الفقهاء في الجملة على أنّ ما أبين أو قطع من حيوانٍ حيٍّ مأكولٍ - غير الصوف والشّعر - فهو كميتته فلا يجوز أكله لنجاسته. لحديث: «ما قطع من البهيمة وهي حيّة فهي ميتة». وفي المسألة تفصيل ينظر في مصطلح: (أطعمةٍ ف 74).
5 - ذهب الحنفيّة إلى حرمة أكل اللّحم إذا أنتن لأنّه يضر لا لأنّه نجس. والمذهب عند الحنابلة عدم كراهة أكل اللّحم المنتن كما جزم به صاحب المنتهى, وكره المرداوي أكل اللّحم المنتن. واللّحم المنتن إن كان لحم جلالةٍ فالأصح عند الشّافعيّة أنّه يكره, وقيل: يحرم. وإن كان لحم غير الجلالة وذكّي تذكيةً شرعيّةً فإنّه يكره على الصّحيح إذا نتن وتروّح كما قال الشّربيني الخطيب.
6 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة في الرّاجح عندهم والحنابلة في الصّحيح من المذهب إلى أنّ اللّحم المطبوخ بنجس لا يطهر لأنّ أجزاء النّجاسة قد تأصّلت فيه. وفي قولٍ للمالكيّة وروايةٍ عند الحنابلة أنّه يطهر, ولهم تفصيل في كيفيّة التّطهير ينظر في مصطلح: (طهارةٍ فقرة 31). وقال الشّافعيّة: لو طبخ لحم بماء نجسٍ كفى غسله, قال النّووي وهو الّذي اختاره الشّاشي وهو المنصوص. وقال أبو يوسف: يطبخ بالماء ثلاث مرّاتٍ ويجفّف في كلّ مرّةٍ.
7 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة وأحمد في روايةٍ إلى أنّ أكل لحم الجزور لا ينقض الوضوء لما رواه جابر قال: «كان آخر الأمرين من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء ممّا غيّرت النّار». وذهب الحنابلة في المذهب والشّافعي في القديم وأبو بكر بن خزيمة إلى أنّه ينقض الوضوء, لما روى جابر بن سمرة: «أنّ رجلاً سأل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أأتوضّأ من لحوم الغنم ؟ قال: إن شئت فتوضّأ وإن شئت فلا توضّأ ، قال: أتوضّأ من لحوم الإبل ؟ قال: نعم فتوضّأ من لحوم الإبل», ومقتضى الأمر الإيجاب. والتّفصيل في مصطلح: (وضوءٍ).
8 - ذهب الفقهاء إلى أنّه من مسنونات الأضحيّة أن يأكل المضحّي من لحم أضحيّته ويطعم ويدّخر, والأفضل أن يتصدّق بالثلث ويتّخذ الثلث ضيافةً لأقاربه وأصدقائه ويدّخر الثلث. أما الأضحيّة المنذورة فلا يجوز الأكل منها عند الحنفيّة والشّافعيّة, وذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّ المنذورة كغيرها في جواز الأكل. وتفصيل ذلك ينظر في مصطلح: (أضحيّةٍ ف 59).
9 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يستحب طبخ لحم العقيقة كلّها حتّى ما يتصدّق به. وذهب الحنفيّة إلى أنّه يجوز في العقيقة تفريقها نيئةً ومطبوخةً. انظر: (عقيقة ف 13).
10 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة وهو قول للمالكيّة إلى إباحة أكل لحم الخيل لحديث جابرٍ قال: «نهى النّبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهليّة ورخّص في لحوم الخيل». وذهب الحنفيّة - وعليه الفتوى عندهم - وهو قول ثانٍ للمالكيّة إلى حلّ أكلها مع الكراهة التّنزيهيّة لاختلاف الأحاديث المرويّة في الباب لاختلاف السّلف. والمذهب عند المالكيّة أنّ أكل لحم الخيل محرّم. والتّفصيل في مصطلح: (أطعمةٍ ف 44).
11 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة وهو القول الرّاجح للمالكيّة إلى حرمة أكل لحم الحمار الأهليّ, واستدلوا بحديث جابرٍ رضي الله عنه: «نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهليّة». والقول الثّاني للمالكيّة أنّ لحم الحمار الأهليّ يؤكل مع الكراهة التّنزيهيّة. والتّفصيل في مصطلح: (أطعمةٍ ف 46).
12 - اتّفق الفقهاء على حرمة أكل لحم الخنزير لقوله تعالى: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ}. انظر مصطلح: (خنزيرٍ ف 3).
13 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى حرمة أكل لحم البغل لأنّه متولّد من أصلين اجتمع فيهما الحل والحرمة فيغلّب جانب الحرمة احتياطاً. وعند الحنفيّة البغل يتبع أمّه في الحلّ والحرمة. والمالكيّة يقولون بقاعدة التّبعيّة للأمّ في الحكم, مع بعض الاختلاف. والتّفصيل في مصطلح: (أطعمةٍ ف 59 - 60).
14 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة وهو قول المالكيّة - صحّحه ابن عبد البرّ - إلى حرمة أكل لحم الكلب لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: «كل ذي نابٍ من السّباع فأكله حرام». والقول الآخر للمالكيّة أنّه يكره أكل لحم الكلب. وفي المسألة تفصيل ينظر في مصطلح: (أطعمةٍ ف 24 - 29) ومصطلح: (كلبٍ).
15 - أجمع الفقهاء على حرمة أكل لحم الإنسان لقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} وورد الخلاف في حكم أكل المضطرّ لحم الإنسان. وتفصيله في مصطلح: (ضرورةٍ ف 10).
16 - ذهب الفقهاء في الجملة إلى استحباب غسل اليدين بعد الطّعام لحديث: «من بات وفي يده ريح غمرٍ فأصابه شيء فلا يلومنّ إلا نفسه». وصرّح بعض المالكيّة باستحباب غسل الفم واليد من أكل اللّحم خاصّةً, لما جاء عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «أنّه تمضمض من السّويق», وهو أيسر من اللّحم, ولما ورد عن عثمان بن عفّانٍ رضي الله عنه أنّه غسل يده من اللّحم وتمضمض منه. والتّفصيل في مصطلح: (أكلٍ ف 14 - 15, ويدٍ).
17 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ الحالف على ترك اللّحم يحنث بأكل ما ليس بلحم من الشّحم ونحوه لأنّه لحم حقيقةً ويتّخذ منه ما يتّخذ من اللّحم. واستثنى الحنفيّة شحم الإلية إلا إذا نواه في اليمين. وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه لا يحنث لأنّه لا يسمى لحماً وينفرد عنه باسمه وصفته.
18 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى عدم جواز بيع اللّحم بحيوان من جنسه كلحم شاةٍ بشاة حيّةٍ لحديث: «نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان باللّحم». وأجاز الحنفيّة هذا البيع, ولهم تفصيل في ذلك ينظر في مصطلح: (بيع منهي عنه ف 60). وهناك خلاف بين الفقهاء في بيع اللّحم بحيوان من غير جنسه وبحيوان غير مأكولٍ ينظر في مصطلح: (بيع منهي عنه ف 60 - 62).
19 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وهو قول أبي يوسف ومحمّدٍ من الحنفيّة إلى صحّة السّلم في اللّحم بشرط ضبط صفاته بذكر الجنس والنّوع والصّفة, وذلك لحديث: «من أسلف في شيءٍ ففي كيلٍ معلومٍ ووزنٍ معلومٍ إلى أجلٍ معلومٍ», ولأنّه إذا جاز السّلم في الحيوان فاللّحم أولى. وذهب أبو حنيفة إلى عدم صحّة السّلم في اللّحم لوجود الجهالة.
20 - اختلف الفقهاء في بيع اللّحم باللّحم وهو خلاف مبني على كون اللّحم جنساً واحداً أو أجناساً مختلفةً, فمن قال بأنّ اللّحم جنس واحد لم يجز عنده بيع لحمٍ بلحم إلا متماثلاً, ومن جعله أجناساً مختلفةً جاز عنده بيعه متفاضلاً, على تفصيلٍ في كلّ مذهبٍ ينظر في مصطلح: (رباً ف 27 - 30).
1 - اللّحن: في اللغة يطلق على معانٍ عدّةٍ. يقال: لحن فلان لفلان لحناً: قال له قولاً يفهمه عنه, ويخفى على غيره, ويطلق على الخطأ في الإعراب ومخالفة الصّواب فيه, يقال: لحن القارئ في القراءة والمتكلّم في كلامه, يلحن لحناً: أخطأ في الإعراب, وخالف وجه الصّواب. ويطلق على الفطنة, ففي الأثر: «إنّكم تختصمون إليّ ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجّته من بعضٍ..» أي أفطن بحجّته, قال ابن حجرٍ: المراد أنّه إذا كان أفطن كان قادراً على أن يكون أبلغ في حجّته من الآخر, ويطلق على الأصوات المصوغة الموضوعة الّتي فيها تغريد, وتطريب, وجمعه ألحان, ولحون, ويقال: لحن القول أي فحواه ومعناه. وفي اصطلاح النّحويّين هو: الخطأ في إعراب الكلمة, أو تصحيح المفرد. وعند القرّاء هو: خلل يطرأ على اللّفظ فيخل بالمعنى. ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ.
2 - القرآن كلام اللّه المعجز المنزّل على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم المنقول بالتّواتر, فيحرم تعمد اللّحن فيه, سواء أغيّر المعنى أم لم يغيّر, لأنّ ألفاظه توقيفيّة نقلت إلينا بالتّواتر, فلا يجوز تغيير لفظٍ منه بتغيير الإعراب أو بتغيير حروفه بوضع حرفٍ مكان آخر. ولأنّ في تعمد اللّحن عبثاً بكلام اللّه, واستهزاءً بآياته, وهو كفر بواح, قال تعالى: {قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ، لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}. قال جمهور الفقهاء بجواز قراءة القرآن بالألحان إذا لم تتغيّر الكلمة عن وضعها, ولم يحصل باللّحن تطويل بحيث يصير الحرف حرفين, أو يصل به إلى ما لم يقله أحد من القرّاء بل كان لمجرّد تحسين الصّوت, وتزيين القراءة, بل يستحب ذلك, وفي أثرٍ عن عمر رضي الله عنه: " تعلّموا الفرائض واللّحن والسنن كما تعلّمون القرآن ". ونقل النّووي عن الماورديّ أنّه قال: القراءة بالألحان الموضوعة إن أخرجت لفظ القرآن عن صيغته بإدخال حركاتٍ فيه أو إخراج حركاتٍ منه أو قصر ممدودٍ أو مدّ مقصورٍ, أو تمطيطٍ يخفى به بعض اللّفظ ويلتبس المعنى فهو حرام يفسق به القارئ ويأثم به المستمع, لأنّه عدل به عن نهجه القويم إلى الاعوجاج واللّه تعالى يقول: {قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ}. قال: وإن لم يخرجه اللّحن عن لفظه وقراءته على ترتيله كان مباحاً, لأنّه زاد بألحانه في تحسينه. ونقل ابن حجرٍ الهيتمي عن الشّاشيّ أنّه نسب في حليته إلى الشّافعيّ ما قاله الماورديّ. وقال في الفتاوى الهنديّة: إن قرأ بالألحان في غير الصّلاة إن غيّر الكلمة ويقف في موضع الوصل أو فصل في موضع الوقف يكره وإلا لا يكره. والتّفصيل في مصطلحات: (قراءةٍ ف 9, غناءٍ ف 11).
3 - ذهب الفقهاء إلى أنّ تعمد اللّحن في الصّلاة إن كان في الفاتحة يبطل الصّلاة واختلفوا فيه إذا لم يتعمّد, أو كان في غير الفاتحة: قال الشّافعيّة والحنابلة: إن كان اللّحن لا يغيّر المعنى كرفع هاء الحمد للّه كانت إمامته مكروهةً كراهةً تنزيهيّةً وصحّت صلاته وصلاة من اقتدى به. وإن غيّر المعنى كضمّ " تاء " أنعمت, وكسرها, وكقوله: اهدنا الصّراط المستقين بدل " المستقيم ". فإن كان يمكن له التّعلم فهو مرتكب للحرام, ويلزمه المبادرة بالتّعلم, فإن قصّر, وضاق الوقت لزمه أن يصلّي, ويقضي, ولا يصح الاقتداء به, وإن لم يمكنه التّعلم لعجز في لسانه, أو لم تمض مدّة يمكن له التّعلم فيها فصلاته صحيحة, وكذا صلاة من خلفه, هذا إذا وقع اللّحن في الفاتحة, وإن لحن في غير الفاتحة كالسورة بعد الفاتحة صحّت صلاته, وصلاة كلّ أحدٍ صلّى خلفه, لأنّ ترك السورة لا يبطل الصّلاة فلا يمنع الاقتداء به. وقال الحنفيّة: تفسد الصّلاة باللّحن الّذي يغيّر المعنى تغييراً يكون اعتقاده كفراً سواء وجد مثله في القرآن أم لا, إلا ما كان في تبديل الجمل مفصولاً بوقف تامٍّ, وإن لم يكن مثله في القرآن, والمعنى بعيد, ويتغيّر به المعنى تغييراً فاحشًا تفسد الصّلاة به أيضاً, كـ " هذا الغبار " بدل " هذا الغراب " وكذا إن لم يوجد مثله في القرآن, ولا معنى له مطلقاً, كالسّرائل, بدل " السّرائر ". وإن كان في القرآن مثله وكان المعنى بعيداً ولكن لا يغيّر المعنى تغييراً فاحشاً تفسد الصّلاة به عند أبي حنيفة ومحمّدٍ, وقال بعض الحنفيّة: لا تفسد لعموم البلوى, وهو قول أبي يوسف وإن لم يكن في القرآن ولكن لم يتغيّر به المعنى نحو: " قيّامين " بدل: " قوّامين " فالخلاف بينهم بالعكس: فالمعتبر في عدم الفساد عند عدم تغير المعنى كثيراً وجود المثل في القرآن عند أبي يوسف ، والموافقة في المعنى عند أبي حنيفة ومحمّدٍ, فهذه قواعد المتقدّمين من أئمّة الحنفيّة, وأمّا المتأخّرون: كابن مقاتلٍ, وابن سلامٍ, وإسماعيل الزّاهد, وأبي بكرٍ البلخيّ, والهندوانيّ, وابن الفضل فاتّفقوا على أنّ الخطأ في الإعراب لا يفسد الصّلاة مطلقاً, وإن أدّى اعتقاده كفراً, ككسر " ورسوله ", في قوله تعالى: {أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} لأنّ أكثر النّاس لا يميّزون بين وجوه الإعراب, وإن كان الخطأ بإبدال حرفٍ بحرف: فإن أمكن الفصل بينهما بلا كلفةٍ كالصّاد مع الطّاء بأن قرأ الطّالحات, بدل " الصّالحات " فهو مفسد باتّفاق أئمّتهم, وإن لم يمكن التّمييز بينهما إلا بمشقّة كالظّاء مع الضّاد والصّاد مع السّين فأكثرهم على عدم الفساد لعموم البلوى, ولم يفرّق الحنفيّة بين أن يقع اللّحن في القراءة في الصّلاة في الفاتحة أو في غيرها. وقال المالكيّة في أصحّ الأقوال عندهم: لا تبطل الصّلاة بلحن في القراءة ولو بالفاتحة, وإن غيّر المعنى, وأثم المقتدي به إن وجد غيره, ممّن يحسن القراءة.
4 - اللّحن بهذا المعنى إن كان بلا آلةٍ, ولم يكن في ألفاظه ما يحرم كوصف امرأةٍ, أو أمرد معيّنين حيّين, ووصف الخمر المهيّج إليها وهجاء مسلمٍ, أو ذمّيٍّ فهو مكروه في الجملة لشغله عن ذكر اللّه, ولما فيه من لهوٍ, وإن كان فيه شيء ممّا ذكر من آلةٍ, وفحش القول فهو حرام. وإن كان فيه حكم, ومواعظ وخلا من الآلة فلا بأس به, وإن قصد منه الاستشهاد, أو ليعلم فصاحته, وبلاغته, أو أنشد في خلوةٍ وحده ليطرد عن نفسه الملل, فلا بأس به أيضاً. والتّفصيل في: (غناءٍ, شعرٍ ف 17, تشبيبٍ ف 2 - 3).
1 - اللحوق في اللغة: الإدراك, من لحق به لحقاً ولحاقاً: أدركه, وكل شيءٍ أدرك شيئاً فهو لاحق به. أمّا في الاصطلاح فيختلف معناه باختلاف الأبواب الّتي يستعمل فيها, ويستعمل الفقهاء مادّة لحق ومشتقّاتها في مسائل ثبوت النّسب, والتحاق الذّمّيّ والمرتدّ بدار الحرب, وإلحاق جنين المذكّاة بأمّه في الحلّ, وإلحاق صغار السّائمة في الزّكاة, ولحوق توابع المبيع به في البيع, كما استعمله الأصوليون بمعنى القياس وهو إلحاق الفرع بالأصل في الحكم لعلّة مشتركةٍ بينهما.
تتعلّق باللحوق أحكام منها: 2 - اللحوق في النّسب هو ثبوت نسب الولد, وانتسابه لمن يمكن أن يكون منه, لسبب من أسباب ثبوت النّسب, وأسباب ذلك ما يأتي:
3 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ الولد الّذي تأتي به المرأة المتزوّجة زواجاً صحيحاً يلحق زوجها, لحديث: «الولد للفراش», والمراد بالفراش الزّوجة وما في حكمها, وذلك بالشروط الآتية: أ - أن يكون الزّوج ممّن يتصوّر منه الحمل عادةً, بأن يكون بالغاً عند بعض الفقهاء, وأن يبلغ اثنتي عشرة سنةً عند بعضٍ, وعشر سنواتٍ عند آخرين, فلا يلحق بالزّوج إن كان طفلاً دون التّاسعة باتّفاق الفقهاء, كما لا يلحق بالمجبوب وهو مقطوع الذّكر عند بعض الفقهاء. والتّفصيل في مصطلح: (جب ف 9). ب - أن تأتي به في مدّة الحمل ستّة أشهرٍ فأكثر من وقت الزّواج عند بعض الفقهاء, ومن وقت إمكان الوطء عند آخرين, فإن أتت به لأقلّ من الحدّ الأدنى لمدّة الحمل لا يلحقه, وكذا إن أتت به لأكثر مدّة الحمل من تاريخ الفراق وهي سنتان عند الأحناف ورواية عند الحنابلة, وأربع عند الشّافعيّة والحنابلة في المذهب, وخمس عند المالكيّة على المشهور, وقال محمّد بن عبد الحكم إنّ أقصى الحمل تسعة أشهرٍ. والتّفصيل في مصطلح: (حمل ف 6, 7). ج - إمكان تلاقي الزّوجين بعد العقد فإن طلّقها في مجلس العقد أو جرى العقد والزّوجان متباعدان: أحدهما بالمشرق, والآخر بالمغرب لم يلحقه عند الجمهور خلافاً للحنفيّة. والتّفصيل في مصطلح: (نسب).
4 - النّكاح الفاسد كالصّحيح في لحوق النّسب بالشروط المذكورة. والتّفصيل في مصطلح (نسب, نكاح).
5 - إن وطئ امرأةً لا زوج لها بشبهة فأتت بولد بعد مضيّ ستّة أشهرٍ فأكثر من وقت الوطء لحق نسبه به عند جمهور الفقهاء, وقال القاضي أبو يعلى من الحنابلة, وعزاه إلى أبي بكرٍ - منهم -: أنّه لا يلحق به, لأنّ النّسب لا يلحق إلا في نكاحٍ صحيحٍ, أو فاسدٍ, أو ملكٍ, أو شبهة ملكٍ, ولم يوجد شيء من ذلك, ولأنّه وطء لا يستند إلى عقدٍ, فلم يلحق الولد فيه كالزّنا. وقال أحمد: كل من درأت عنه الحدّ في وطءٍ ألحقت الولد به, ولأنّه وطء اعتقد الواطئ حلّه, فلحق به النّسب, وإن وطئ ذات زوجٍ بشبهة في طهرٍ لم يصبها فيه زوجها, فاعتزلها بعد الوطء بالشبهة حتّى أتت بولد لستّة أشهرٍ من حين الوطء بالشبهة لحق الواطئ. والتّفصيل في مصطلح: (نسب, نكاح).
6 - وهو مع الصّدق واجب, ومع الكذب: في إلحاقه أو نفيه حرام, وهو نوعان: إقرار على نفس المقرّ. وإقرار على غيره. والإقرار على نفس المقرّ أن يقول: هذا ابني, أو أنا أبوه, أو هذا أبي, فيشترط في صحّة اللحوق بهذا الإقرار: أ - أن يكون المقر مكلّفاً مختاراً وإن كان سفيهاً أو قناً أو كافراً. واختلف في اشتراط الذكورة في المقرّ. والتّفصيل في مصطلح: (إقرار ف 68). ب - أن لا يكذّبه الحس, بأن كان المقر في سنٍّ يمكن أن يكون منه, فإن كذّبه الحس بأن يكون في سنٍّ لا يتصوّر أن يولد لمثله مثل المستلحق: بأن يكون أكبر منه سناً أو يكون في سنّه, أو طرأ على المستلحق قطع ذكره وأنثييه قبل إمكان علوق ذلك الولد لم يلحقه. ج - ألا يكذّبه الشّرع, فإن كذّبه: بأن كان معروف النّسب من غيره لم يلحق به وإن صدّقه المستلحق به, لأنّ النّسب لا يقبل النّقل. د - وأن يصدّق المستلحق إن كان أهلاً للتّصديق, فإن كذّبه لم يلحقه إلا ببيّنة أو بيمين, كسائر الحقوق, وإنّ استلحق صغيراً, أو مجنوناً لحق به بالشروط السّابقة, ما عدا التّصديق. والتّفصيل في مصطلح: (نسب). ويجوز أنّ يستلحق ميّتاً صغيراً أو كبيراً إن لم يكن متّهماً بطلب الإرث, أو لسقوط القود. (ر: نسب - إقرار ف 63). وقال الشّافعيّة: لا يجوز استلحاق منفيٍّ بلعان ولدٍ على فراش نكاحٍ صحيحٍ ، لما فيه من إبطال حقّ النّافي, إذ للملاعن استلحاقه بعد نفيه, وأنّ هذا الولد لا يؤثّر فيه نفي قائفٍ ولا انتساب يخالف حكم الفراش. والتّفصيل في مصطلح: (نسب, لعان ف 29 ، إقرار ف 63). 7 - أما إذا ألحق النّسب بغيره ممّا يتعدّى النّسب منه إلى نفسه بواسطة واحدةٍ وهي الأب كهذا أخي, أو بثنتين كالأبّ والجدّ كهذا عمّي, أو بثلاثة: كهذا ابن عمّي لحق نسبه من الملحق به, لأنّ الوارث يخلف مورّثه في حقوقه والنّسب منها بالشروط السّابقة فيما إذا ألحقه بنفسه. ويشترط زيادةً على الشروط السّابقة: كون الملحق به ميّتًا, فيمتنع الإلحاق بالحيّ, وإن كان مجنوناً, لأنّه قد يتأهّل, فلو ألحق حياً, ثمّ صدّقه لحقه بتصديقه دون الإلحاق. (ر: إقرار ف 63, نسب). ولا يقر الحنفيّة لحوق النّسب بالإقرار بواسطة الغير سواء كان بواسطة واحدةٍ أو أكثر, وسواء صدّقه المقر بنسبه أو كذّبه, لأنّ إقرار الإنسان حجّة على نفسه لا على غيره, لأنّه على غيره شهادة أو دعوى, والدّعوى المفردة ليست بحجّة, وشهادة الفرد فيما يطّلع عليه الرّجال - وهو من باب حقوق العباد - غير مقبولةٍ, والإقرار الّذي فيه حمل نسب الغير على غيره - لا على نفسه - شهادةً أو دعوى, وذلك لا يقبل إلا بحجّة. (ر: نسب, إقرار ف 63).
8 - لو استلحق اثنان صغيراً مجهول النّسب ولم يكن لأحدهما بيّنة عرض على القافة فيلحق بمن ألحقته به منهما. انظر: (لقيط, قيافة). وإن استلحقا بالغاً عاقلاً, ووجدت الشروط لحق بمن يصدّقه المستلحَق, فإن سكت, ولم يصدّق واحداً منهما عرض على القافة فيلحق بمن تلحقه به القافة. (ر: نسب, إقرار ف 63, قيافة).
9 - يلحق النّسب بالشّهادة بشروطها. انظر: (شهادة ف 29, 37, ونسب, وتسامع ف 7 وما بعدها).
10 - إذا عاشر مملوكته وأتت بولد لمدّة الحمل من يوم الوطء لحقه, بهذا قال مالك والشّافعي وأحمد, وقال أبو حنيفة الثّوري: لا تصير فراشاً حتّى يقرّ بولدها, فإذا أقرّ به صارت فراشاً له ولحقه أولادها بعد ذلك. (ر: تسرّي ف 18).
11 - ينتقض عهد الذّمّة بلحوق الذّمّيّ بدار الحرب, لأنّه صار بلحوقه دار الحرب حرباً علينا, فيخلو عقد الذّمّة عن الفائدة, وهو دفع شرّه عنّا. (ر: أهل الذّمّة ف 42).
12 - قال الحنفيّة: إذا لحق المرتد بدار الحرب في مدّة الخيار في البيع, وقضى القاضي بلحاقه صار البيع لازماً, وإن ارتدّ في المضاربة رب المال ولحق بدار الحرب بطلت المضاربة, لأنّ اللحوق بدار الحرب بمنزلة الموت, وإن كان المضارب هو المرتدّ اللاحق بدار الحرب فالمضاربة على حالها, لأنّ له عبارة صحيحة ولا يوقف ملك ربّ المال فبقيت المضاربة. وإن ارتدّ أحد الشّريكين ولحق بدار الحرب بطلت الشّركة, لأنّ الشّركة تتضمّن الوكالة, ولا بدّ منها لتحقق الشّركة, واللحوق بدار الحرب بمنزلة الموت. وتبطل الوكالة بلحوق الوكيل بدار الحرب مرتداً لأنّ الوكالة تصرف غير لازمٍ فيكون لدوامه حكم ابتدائه, فلا بدّ من بقاء الأمر فبطل بعارض الرّدّة, لأنّ تصرفات المرتدّ موقوفة, فكذا وكالته, فإن أسلم نفذت, وإن قتل أو لحق بدار الحرب بطلت الوكالة عند أبي حنيفة, وعند صاحبيه: تصرفاته نافذة فلا تبطل وكالته إلا أن يقتل بالرّدّة أو يحكم بلحاقه. (ر: وكالة).
1 - اللّحية لغةً: الشّعر النّابت على الخدّين والذّقن, والجمع اللِّحى واللُّحى. ورجل ألحى ولحياني: طويل اللّحية, واللّحي واحد اللّحيين وهما: العظمات اللّذان فيهما الأسنان من الإنسان والحيوان, وعليهما تنبت اللّحية. واللّحية في الاصطلاح, قال ابن عابدين: المراد باللّحية كما هو ظاهر كلامهم الشّعر النّابت على الخدّين من عِذارٍ, وعارضٍ, والذّقن.
أ - العِذار: 2 - العذاران كما في لسان العرب: جانبا اللّحية, وكان الفقهاء أكثر تحديداً للعذار من أهل اللغة, فقد فسّره ابن حجرٍ الهيتمي من الشّافعيّة, وابن قدامة والبهوتي من الحنابلة بأنّه الشّعر النّابت على العظم النّاتئ المحاذي لصماخ الأذن - أي خرقها - يتّصل من الأعلى بالصدغ, ومن الأسفل بالعارض, وقال القليوبيّ: الّذي تصرّح به عباراتهم أنّه إذا جعل خيط مستقيم على أعلى الأذن وأعلى الجبهة فما تحت ذلك الخيط من الملاصق للأذن, المحاذي للعارض هو العذار, وما فوقه هو الصدغ, ويقول ابن عابدين: هو القدر المحاذي للأذن. ويصرّح ابن عابدين بأنّ العذار جزء من اللّحية, وعليه فتنطبق عليه أحكامها. وقال البهوتيّ: لا يدخل منتهى العذار - أي أعلاه الّذي فوق العظم النّاتئ - لأنّه شعر متّصل بشعر الرّأس لم يخرج عن حدّه, أشبه الصدغ, والصدغ من الرّأس - وليس من الوجه - لحديث الرّبيع أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «مسح برأسه وصدغيه مرّةً واحدةً», ولم ينقل أحد أنّه غسله مع الوجه. والصّلة بينهما العموم والخصوص المطلق فكل عذارٍ لحية ولا عكس. ب - العارض: 3 - العارض في اللغة: الخد, وعارضتا الإنسان: صفحتا خدّيه. وعند الفقهاء العارض الشّعر النّابت على الخدّ ويمتد من أسفل العذار حتّى يلاقي الشّعر النّابت على الذّقن, قال ابن قدامة: العارض هو ما نزل عن حدّ العذار, وهو الشّعر النّابت على اللّحيين, ونقل عن الأصمعيّ والمفضّل بن سلمة: ما جاوز وتد الأذن عارض, فالعارضان من اللّحية. وقيل له العارض - فيما أشار إليه ابن الأثير - لأنّه ينبت على عرض اللّحي فوق الذّقن. ج - الذّقن: 4 - الذّقَن والذّقْن: مجتمع اللّحيين من أسفلهما. د - العنفقة: 5 - العنفقة: ما بين الشّفة السفلى والذّقن. قال ابن منظورٍ: سمّيت بذلك لخفّة شعرها, والعنفق: قلّة الشّيء وخفّته. وقيل: العنفقة ما نبت على الشّفة السفلى من الشّعر. ويجاوز العنفقة يميناً وشمالاً الفنيكان, وهما: الموضعان الخفيفا الشّعر بين العنفقة والعارضين وقيل: هما جانبا العنفقة. هـ - السّبال: 6 - السّبال لغةً: جمع السَّبلة, وسبلة الرّجل: الدّائرة الّتي في وسط شفته العليا, وقيل: السّبلة ما على الشّارب من الشّعر, وقيل: طرفه, وقيل: هي مقدّم اللّحية, وقيل: هي اللّحية, وعلى كونه بمعنى ما على الشّارب من الشّعر ورد الحديث: «قصوا سبالكم ووفّروا عثانينكم وخالفوا أهل الكتاب», وعلى كونه بمعنى اللّحية ورد قول جابرٍ: " كنّا نعفي السّبال إلا في حجٍّ أو عمرةٍ ". أمّا الفقهاء فقد جعلوا السّبال مفرداً, وهو عندهم: طرف الشّارب. قال ابن عابدين: السّبالان طرفا الشّارب, قال: قيل: وهما من الشّارب, وقيل من اللّحية. وقال ابن حجرٍ مثل ذلك.
تتعلّق باللّحية أحكام منها:
7 - إعفاء اللّحية مطلوب شرعاً اتّفاقاً, للأحاديث الواردة بذلك, منها حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «خالفوا المشركين وفّروا اللّحى وأحفوا الشّوارب», ومثله حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه بلفظ: «جزوا الشّوارب وأرخوا اللّحى خالفوا المجوس», ومنها حديث عائشة رضي الله عنها عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «عشر من الفطرة», فعدّ منها إعفاء اللّحية. قال ابن حجرٍ: المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: «خالفوا المشركين» مخالفة المجوس فإنّهم كانوا يقصون لحاهم, ومنهم من كان يحلقها, وقال: ذهب الأكثرون إلى أن " أعفوا" بمعنى كثّروا, أو وفّروا, ونقل عن ابن دقيق العيد: تفسير الإعفاء بالتّكثير من إقامة السّبب مقام المسبّب لأنّ حقيقة الإعفاء التّرك, وترك التّعرض للّحية يستلزم تكثيرها. وقال ابن عابدين من الحنفيّة: إعفاء اللّحية تركها حتّى تكثّ وتكثر.
8 - قال ابن دقيق العيد: لا أعلم أحداً فهم من الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم: «أعفوا اللّحى» تجويز معالجتها بما يغزرها, كما يفعله بعض النّاس, قال: وكأنّ الصّارف عن ذلك قرينة السّياق في قوله في بقيّة الخبر: «وأحفوا الشّوارب» قال ابن حجرٍ: ويمكن أن يؤخذ ذلك من بقيّة طرق الحديث الدّالّة على مجرّد التّرك.
9 - ذهب بعض الفقهاء, منهم النّووي إلى أن لا يتعرّض للحيّة, فلا يؤخذ من طولها أو عرضها لظاهر الخبر في الأمر بتوفيرها, قال: المختار تركها على حالها, وأن لا يتعرّض لها بتقصير ولا غيره. وذهب آخرون منهم الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه إذا زاد طول اللّحية عن القبضة يجوز أخذ الزّائد, لما ثبت أنّ ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا حلق رأسه في حجٍّ أو عمرةٍ أخذ من لحيته وشاربه, وفي روايةٍ كان إذا حجّ أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه. قال ابن حجرٍ: الّذي يظهر أنّ ابن عمر كان لا يخص هذا بالنسك بل كان يحمل الأمر بالإعفاء على غير الحالة الّتي تتشوّه فيها الصورة بإفراط طول شعر اللّحية أو عرضه. قال الحنفيّة: إنّ أخذ ما زاد عن القبضة سنّة, جاء في الفتاوى الهنديّة: القص سنّة فيها, وهو أن يقبض الرّجل على لحيته, فإن زاد منها عن قبضته شيء قطعه, كذا ذكره محمّد رحمه الله عن أبي حنيفة, قال: وبه نأخذ. وفي قولٍ للحنفيّة: يجب قطع ما زاد عن القبضة ومقتضاه كما نقله الحصكفيّ, الإثم بتركه. وقال الحنابلة: لا يكره أخذ ما زاد عن القبضة منها, ونصّ عليه أحمد, ونقلوا عنه أنّه أخذ من عارضيه. وذهب آخرون من الفقهاء إلى أنّه لا يأخذ من اللّحية شيئاً إلا إذا تشوّهت بإفراط طولها أو عرضها, نقله الطّبريّ عن الحسن وعطاءٍ, واختاره ابن حجرٍ وحمل عليه فعل ابن عمر, وقال: إنّ الرّجل لو ترك لحيته لا يتعرّض لها حتّى أفحش طولها أو عرضها لعرّض نفسه لمن يسخر به, وقال عياض: الأخذ من طول اللّحية وعرضها إذا عظمت حسن, بل تكره الشهرة في تعظيمها كما تكره في تقصيرها, ومن الحجّة لهذا القول ما ورد أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «كان يأخذ من لحيته من طولها وعرضها», أمّا الأخذ من اللّحية وهي دون القبضة لغير تشوهٍ ففي حاشية ابن عابدين: لم يبحه أحد.
10 - ذهب جمهور الفقهاء: الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة, وهو قول عند الشّافعيّة, إلى أنّه يحرم حلق اللّحية لأنّه مناقض للأمر النّبويّ بإعفائها وتوفيرها, وتقدّم قول ابن عابدين في الأخذ منها وهي دون القبضة: لم يبحه أحد, فالحلق أشد من ذلك. وفي حاشية الدسوقيّ المالكيّ: يحرم على الرّجل حلق لحيته, ويؤدّب فاعل ذلك, وقال أبو شامة من الشّافعيّة: قد حدث قوم يحلقون لحاهم, وهو أشد ممّا نقل عن المجوس أنّهم كانوا يقصونها. ثمّ قد جاء في الفتاوى الهنديّة: ولا يحلق شعر حلقه, ونصّ الحنابلة كما في شرح المنتهى على أنّه لا يكره أخذ الرّجل ما تحت حلقه من الشّعر أي لأنّه ليس من اللّحية. والأصح عند الشّافعيّة: أنّ حلق اللّحية مكروه.
11 - تقدّم أنّ السّبالين قد اختلف فيهما هل هما من الشّاربين أم من اللّحية, وعليه ينبني الخلاف فيهما, قال ابن عابدين: أمّا طرفا الشّارب وهما السّبالان, فقيل: هما من الشّارب وقيل: من اللّحية, وعليه فقد قيل: لا بأس بتركهما, وقيل: يكره لما فيه من التّشبه بالأعاجم وأهل الكتاب, قال: وهذا أولى بالصّواب. وقال ابن حجرٍ: اختلف في السّبالين فقيل: هما من الشّارب ويشرع قصهما معه, وقيل: هما من جملة شعر اللّحية, وأمّا القص فهو الّذي في أكثر الأحاديث. وذهب الحنابلة إلى أنّ السّبالين من الشّارب فيشرع قصهما معه. قال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: ذكر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم المجوس فقال: «إنّهم يوفون سبالهم ويحلقون لحاهم فخالفوهم» قال: فكان ابن عمر يستعرض سبلته فجزّها.
12 - العناية باللّحية بأخذ ما طال منها وتشوّه أمر مشروع على ما تقدّم تفصيله. ويسن إكرامها لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «من كان له شعر فليكرمه», قال الغزالي والنّووي: ويكره للرّجل ترك لحيته شعثةً إيهاماً للزهد. لما روي عن جابر بن عبد اللّه رضي الله عنهما قال: «أتانا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فرأى رجلاً شعثاً قد تفرّق شعره ، فقال: أما كان يجد هذا ما يسكن به شعره». ويسن ترجيلها, قال ابن بطّالٍ: التّرجيل تسريح شعر الرّأس واللّحية ودهنه, وهو من النّظافة وقد ندب الشّرع إليه, وقال اللّه تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ}, وفي حديث عائشة رضي الله عنها: «كان لا يفارق النّبيّ صلى الله عليه وسلم سواكه ومشطه ، وكان ينظر في المرآة إذا سرّح لحيته». ويسن تطييبها لقول عائشة رضي الله عنها: «كنت أطيّب النّبيّ صلى الله عليه وسلم بأطيب ما يجد ، حتّى أجد وبيص الطّيب في رأسه ولحيته». وفي الفتاوى الهنديّة: لا بأس بغالية الرّأس واللّحية, والغالية: طيب يجمع طيوباً. وانظر: (ترجيل ف 2 وما بعدها, شعر ف 16).
13 - يسن صبغ اللّحية بغير السّواد إذا ظهر فيها الشّيب, أمّا بالسّواد فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يكره صبغها بالسّواد في غير الحرب, وقال الشّافعيّة: تحرم لغير المجاهدين. وانظر مصطلح: (اختضاب ف 9 - 11).
14 - قال ابن حجرٍ: ذكر النّووي ممّا يكره: تبييض اللّحية استعجالاً للشّيخوخة لقصد التّعاظم على الأقران, ونتفها إبقاءً للمرودة وكذا تحذيفها ونتف الشّيب, ورجّح النّووي تحريمه لثبوت الزّجر عنه, وتصفيفها طاقةً فوق طاقةٍ تصنعاً ومخيلةً, وعقدها لحديث رويفع بن ثابتٍ رضي الله عنه مرفوعاً: «من عقد لحيته فإنّ محمّداً منه بريء», قال الخطّابيّ: قيل: المراد عقدها في الحرب, وهو من زيّ الأعاجم, وقيل: المراد معالجة الشّعر حتّى ينعقد وذلك من فعل أهل التّأنيث.
15 - تتّفق المذاهب الأربعة على أنّه يجب في الوضوء غسل بشرة الوجه من شعر اللّحية إن كان خفيفاً تظهر البشرة من تحته, فيغسل البشرة ويغسل اللّحية ظاهراً وباطناً, والمراد بظهور البشرة ظهورها في مجلس المخاطبة, ووجه الوجوب أنّ اللّه تعالى فرض في الوضوء غسل الوجه, والوجه من المواجهة, والمواجهة تحصل في اللّحية ذات الشّعر الخفيف ببشرة الوجه وبالشّعر الّذي عليها. وهذا الاتّفاق إنّما هو فيما كان من الشّعر في حيّز دائرة الوجه, دون المسترسل من اللّحية تحت الذّقن طولاً, ودون الخارج عن حدّ الوجه عرضاً, فإنّ في هذا خلافاً يأتي بيانه. أمّا اللّحية الكثيفة فتتّفق الأقوال المعتمدة في المذاهب الأربعة على أنّه لا يجب في الوضوء غسل باطنها ولا إيصال الماء إلى البشرة ومنابت الشّعر, لعدم حصول المواجهة به لأنّه لا يرى في مجلس المخاطبة, فلا يكون من الوجه المأمور بغسله, وفي نيل المآرب: لو اجتزأ بغسل باطنها عن غسل ظاهرها لم يجزئه, ولأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «أخذ غرفةً من ماءٍ فغسل بها وجهه» ، قالوا: والغرفة لا تكفي لغسل الوجه وظاهر اللّحية الكثيفة وباطنها, وفي هذه الحال ينتقل حكم ما تحت اللّحية إليها عند الجمهور, فيجب غسل ظاهر ما في حدّ الوجه منها. ولا يسن غسل باطن اللّحية الكثيفة على ما صرّح به الحنفيّة والحنابلة لما فيه من العسر, على ما قال ابن قدامة من الحنابلة, ورجّح صاحب الإنصاف من الحنابلة أنّ غسل باطنها مكروه وتبعه صاحب الإقناع. وفي روايةٍ عن أبي حنيفة وروايةٍ عن أحمد: لا يغسل اللّحية الكثيفة في الوضوء ولا يغسل ما تحتها أيضاً, لأنّ اللّه تعالى إنّما أمر بغسل الوجه, والوجه اسم للبشرة الّتي تحصل بها المواجهة, والشّعر ليس ببشرة, وما تحته من البشرة لا تحصل به المواجهة. وقد نقل ابن عابدين أنّ الرّواية الأولى هي المذهب الصّحيح المفتى به, وما عداها مرجوع عنه, كما أنّ ابن قدامة ضعّف رواية عدم الغسل عن أحمد وأوّلها. ونقل ابن قدامة عن عطاءٍ وأبي ثورٍ أنّه يجب غسل البشرة وباطن اللّحية الكثيفة - كغير الكثيفة - في الوضوء كما في الغسل, لأنّ اللّه تعالى أمر بغسل الوجه, وهو حقيقة في البشرة, وتدخل اللّحية تبعاً, ونقل القرافي قولاً مثل هذا للمالكيّة. قال: لأنّ الخطاب متناول له بالأصالة, ولغيره بالرخصة, والأصل عدمها. وعلى القول الأوّل, وهو قول الأكثرين, يكون غسل ظاهر اللّحية - على ما نصّ عليه الحنفيّة على الأصحّ عندهم - بإمرار الماء على ظاهرها, وقال المالكيّة: المراد بغسل ظاهرها إمرار اليد عليها بالماء وتحريكها به لأنّ الشّعر يدفع بعضه عن بعضٍ, فإذا حرّكه حصل الاستيعاب, قالوا: وهذا التّحريك خلاف التّخليل.
16 - اختلف الفقهاء في غسل ما خرج عن حدّ الفرض من اللّحية في الوضوء: فذهب الحنفيّة والمالكيّة في قولٍ والشّافعيّة في قولٍ, وهو رواية عن أحمد, إلى أنّه لا يجب غسله ولا مسحه ولا تخليله, لأنّه ليس من الوجه, لأنّه شعر خارج عن محلّ الفرض, فأشبه ما نزل من شعر الرّأس عن الرّأس, لا يجب مسحه مع مسح الرّأس. ثمّ قد قال الحنفيّة: إنّ غسل هذا الشّعر المسترسل من اللّحية مسنون. وذهب المالكيّة في قولٍ ذكره القرافي والشّافعيّة في المعتمد, وهو ظاهر مذهب أحمد الّذي عليه أصحابه, إلى وجوب غسل ظاهر اللّحية الكثيفة كلّها ممّا هو نابت في محلّ الفرض سواء حاذى محلّ الفرض أو جاوزه, قال الشّافعيّة: وإنّما يجب غسل ما جاوز محلّ الفرض بالتّبع, وقال الحنابلة: لأنّ اللّحية تشارك الوجه في معنى التّوجه والمواجهة, بخلاف ما نزل من شعر الرّأس عنه, فإنّه لا يشارك الرّأس في التّرؤُّس.
إذا توضّأ فغسل ظاهر لحيته, أو ظاهرها وباطنها, ثمّ أزالها بحلق أو غيره لم يلزمه إعادة الوضوء على ما صرّح به الحنفيّة وهو الرّاجح عند المالكيّة. وانظر: (وضوء).
17 - يسن لغير المحرم تخليل اللّحية الكثيفة في الوضوء عند كلٍّ من الشّافعيّة والحنابلة, وهو قول أبي يوسف من الحنفيّة وقول للمالكيّة, وذلك للحديث الوارد أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «كان إذا توضّأ خلّل لحيته», وفعله ابن عمر وابن عبّاسٍ وأنس والحسن رضي الله عنهم, وقال أبو حنيفة ومحمّد: هو فضيلة ، قال ابن عابدين: ورجّح في المبسوط قول أبي يوسف, والأدلّة ترجّحه وهو الصّواب. ا هـ. وقد وردّ التّرخيص في ترك التّخليل عن ابن عمر والحسن بن عليٍّ وطاووسٍ والنّخعيّ وغيرهم, وقال من لم يوجبه: إنّ اللّه تعالى أمر بغسل الوجه ولم يأمر بالتّخليل, وإنّ أكثر من حكى وضوء النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يحك أنّه خلّل لحيته مع أنّه كان كثيفها, فلو كان واجباً لما أخلّ به. وفي قولٍ للمالكيّة: التّخليل مكروه, وهو الرّاجح عندهم على ظاهر ما في المدوّنة من قول مالكٍ: تحرّك اللّحية من غير تخليلٍ. والقول الثّالث للمالكيّة, وهو قول إسحاق بن راهويه: التّخليل واجب, والتّخليل عند من قال به يكون مع غسل الوجه, إلا أنّ الحنابلة نقلوا عن نصّ أحمد أنّ التّخليل يكون مع غسل الوجه أو إن شاء مع مسح الرّأس. وصفته على ما في شرح منتهى الإرادات أن يأخذ كفاً من ماءٍ يضعه من تحتها فيخلّلها بأصابعه مشتبكةً, أو يضعه من جانبيها ويعرّكها به. غسل العنفقة في الوضوء: 18 - يجب في الوضوء غسل العنفقة والبشرة تحتها إن كانت خفيفةً, فإن كانت كثيفةً فالأكثر من العلماء على أنّه يجب غسل ظاهرها فقط, كاللّحية, وقيل: يجب غسلها ظاهراً وباطناً بكلّ حالٍ لأنّها لا تستر ما تحتها عادةً, وإن وجد ذلك كان نادراً فلا يتعلّق به حكم.
19 - يجب في الغسل من الجنابة عند جمهور الفقهاء غسل البشرة تحت اللّحية سواء كان الشّعر كثيفاً أو خفيفاً, وذلك لما روي عن عليٍّ رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من ترك موضع شعرةٍ من جنابةٍ لم يغسلها فعل به كذا وكذا من النّار» ، قال علي: فمن ثمّ عاديت شعري ، وكان يجز شعره, ولحديث أبي هريرة أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ تحت كلّ شعرةٍ جنابة فاغسلوا الشّعر ، وأنقوا البشر». والشّعر نفسه يجب غسله وإيصال الماء إلى أثنائه حتّى ما استرسل منه, وفي وجهٍ عند الحنابلة: لا يجب ذلك, ويجب عند المالكيّة تخليل شعر اللّحية. وانظر مصطلح: (غسل ف 24).
20 - يجب في التّيمم مسح اللّحية مع مسح الوجه عند جميع الفقهاء, فيمسح على ظاهر الشّعر سواء كان الشّعر خفيفاً أو كثيفاً, فلا يجب ولا يندب إيصال التراب إلى الشّعر الباطن ولا إلى البشرة لعسره, ولأنّ المسح مبني على التّخفيف. واشترط الحنفيّة على الصّحيح عندهم, والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة استيعاب ظاهر شعر الوجه, قال في الدرّ المختار: حتّى لو ترك شعرةً لم يجز, قال المالكيّة: ويجب مسح ما طال من اللّحية, ولا يخلّلها لأنّ المسح مبني على التّخفيف.
21 - لا يجوز للمحرم حلق لحيته في الإحرام ولا الأخذ منها كثيراً أو قليلاً, إلا لعذر إجماعاً, وقياساً على تحريم حلق الرّأس المنصوص عليه في قوله تعالى: {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}. فإن حلق لحيته وهو محرم لعذر أو لغير عذرٍ فعليه دم, وإن أخذ أقلّ من ذلك ففيه تفصيل وخلاف يرجع إليه في مصطلح: (إحرام ف 71, 155). ويحرم على المحرم دهن لحيته ولو بدهن غير مطيّبٍ, ويحرم عليه أيضاً تطييبها. وانظر مصطلح: (إحرام ف 73, 76, 153).
22 - ذهب الشّافعيّة إلى أنّه يندب للمحرم عند تحلله من الإحرام إذا لم يكن برأسه شعر أن يأخذ من شاربه أو من شعر لحيته. وروي عن عطاءٍ وطاووسٍ أنّه يستحب لو أخذ من لحيته شيئاً. وذهب الحنفيّة إلى أنّه يستحب للمحرم عند تحلله قص أظافره وشاربه واستحداده بعد حلق رأسه ولا يأخذ من لحيته شيئاً, ولكن إن أخذ منها لم يجب عليه شيء.
23 - تتّفق المذاهب الأربعة على أنّ من أزال لحية رجلٍ عمداً أو خطأً, بحلق أو نتفٍ أو معالجةٍ بدواء أو غير ذلك, فإنّه إن عاد الشّعر فنبت كما كان فلا شيء من ديةٍ أو غيرها إلا الأدب في العمد. أمّا إن لم ينبت الشّعر, لفساد منبته, كما لو صبّ عليه ماءً حاراً, فقد اختلف الفقهاء فيه: فذهبت الحنفيّة والحنابلة إلى أنّ فيها ديةً كاملةً إن أذهبها كلّها, سواء كانت خفيفةً أو كثيفةً, قالوا: لأنّه أزال الجمال على الكمال, وفي نصفها نصف الدّية. ثمّ قال الحنفيّة: وما كان أقلّ من ذلك ففيه حكومة عدلٍ, وفي قولٍ عندهم: تجب كل الدّية لأنّه في الشّين فوق من لا لحية له أصلاً, قال في شرح الكافي: هو الصّحيح. وقال الحنابلة: يعتبر قدر الذّاهب منها بالمساحة, فيعطى من الدّية بنسبة ذلك. قال الحنفيّة: ولا شيء في إذهاب لحية كوسجٍ على ذقنه شعرات معدودة, قالوا: لأنّها تشينه ولا تزينه. ولو كان على خدّه أيضاً ولكنّه غير متّصلٍ فحكومة عدلٍ لأنّ فيه بعض الجمال, ولو متّصلاً ففيه كل الدّية, لأنّه ليس بكوسج وفيه معنى الجمال. وقال الحنابلة: إن أزالها وبقي منها ما لا جمال فيه فعليه الدّية كاملةً لإذهابه المقصود منه كلّه. واستدلوا على إيجاب الدّية في شعر اللّحية بقول عليٍّ وزيد بن ثابتٍ رضي الله عنهما: في الشّعر الدّية. ويؤجّل سنةً ليتحقّق من عدم نباتها, فإن مات فيها فعند أبي حنيفة تسقط الدّية, وقال الصّاحبان: فيها حكومة عدلٍ. وإن نبت الشّعر أبيض قال أبو حنيفة كذلك: لا شيء فيها, وقال الصّاحبان: فيها حكومة عدلٍ. فإن عاد الشّعر فنبت بعد أن أخذ المجني عليه ما فيه من ديةٍ أو بعضها أو حكومة العدل ردّه, وإن لم يعد ورجي عوده انتظر ما يقوله أهل الخبرة. وذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّه لا تجب الدّية في إذهاب شعر اللّحية بل فيه حكومة عدلٍ.
24 - لا يجوز التّعزير بحلق اللّحية لكونه أمراً محرّماً في ذاته عند الجمهور, والّذين قالوا بأنّ الحلق في ذاته مكروه, وهو الأصح عند الشّافعيّة, قالوا: لا يجوز التّعزير بحلقها.
25 - ذهب الحنفيّة إلى أنّه يكره تسريح لحية الميّت أو قص شعره أو حلقه لعدم الحاجة إليه. وقال المالكيّة: يكره حلق شعر الميّت الّذي لا يحرم حلقه حال الحياة كشعر الرّأس, فإن كان يحرم حلقه حال الحياة - وهو شعر اللّحية - حرم, قال الدّردير: وهو بدعة قبيحة لم تعهد من السّلف. وقال الحنابلة: يكره تسريح شعره رأساً كان أو لحيةً لأنّه يقطعه من غير حاجةٍ إليه. قالوا: ويحرم حلق رأسه ولحيته. أمّا الشّافعيّة فيرون أنّ تسريح لحية الميّت غير المحرم حسن لإزالة ما في أصول الشّعر من الوسخ أو بقايا السّدر, ويكون ذلك بمشط واسع الأسنان, برفق ليقلّ الانتتاف. ثمّ إن أزيل بعض الشّعر بحلق أو قصٍّ أو تسريحٍ يجعل الزّائد مع الميّت في كفنه.
1 - اللزوم في اللغة: مصدر, فعله لزِم يلزَم. يقال: لزم فلان فلاناً أي: كان معه فلم يفارقه, ومثله في المعنى لازمه ملازمةً ولزاماً, والتزمه بمعنى: اعتنقه, واللزوم أيضاً: الملازمة للشّيء والتّمسك به أو المداومة عليه, ومنه حديث عائشة رضي الله عنها أنّها: كانت إذا عملت العمل لزمته. ولزمه المال: وجب عليه, ولزمه الطّلاق وجب حكمه وهو قطع الزّوجيّة. ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ.
الجواز: 2 - من معاني الجواز في اللغة: الصّحّة والنّفاذ يقال: جاز العقد: نفذ ومضى على الصّحّة, وأجزت العقد: جعلته جائزاً نافذاً. وفي الاصطلاح قال الزّركشي: يطلق على أمورٍ: أحدها: على رفع الحرج, أعم من أن يكون واجباً أو مندوباً أو مكروهاً. الثّاني: على مستوى الطّرفين, وهو التّخيير بين الفعل والتّرك. الثّالث: على ما ليس بلازم, وهو اصطلاح الفقهاء في العقد. والصّلة بين اللزوم والجواز أنّ الجواز في بعض معانيه يضاد اللزوم.
3 - منه ما أمر به النّبي صلى الله عليه وسلم من لزوم الجماعة في الفتن, كما في حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنّه صلى الله عليه وسلم قال له في شأن الفتن: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ، فقال حذيفة: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلّها». قال ابن بطّالٍ: فيه حجّة لجماعة الفقهاء في وجوب لزوم جماعة المسلمين وترك الخروج على الأئمّة, وقال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه في خطبته بالجابية: عليكم بالجماعة وإيّاكم والفرقة. ومنه لزوم العمل ، بمعنى المداومة عليه, وهو مندوب إليه في التّطوعات لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «أحب الأعمال إلى اللّه أدومها وإن قلّ», وتقدّم الحديث عن عائشة رضي الله عنها أنّها كانت إذا عملت عملاً لزمته. لكن إن كان ذلك العمل الّذي دخل فيه المكلّف على نيّة الالتزام له من شأنه أن يكون فيه مشقّة خارجة عن المعتاد, أو يورث مللاً, فقد ذكر الشّاطبيّ أنّه يكون مكروهاً ابتداءً, لأنّ الدّين يسر, ولخوف التّقصير أو العجز عن القيام بما هو أولى وآكد في الشّرع. وقد نبّه النّبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا, ففي الحديث عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال له: «ألم أخبر أنّك تصوم النّهار وتقوم اللّيل ؟ فقلت: بلى يا رسول اللّه ، قال: فلا تفعل ، صم وأفطر ، وقم ونم ، فإنّ لجسدك عليك حقاً ، وإنّ لعينك عليك حقاً ، وإنّ لزوجك عليك حقاً ، وإنّ لزورك عليك حقاً ، وإنّ بحسبك أن تصوم كلّ شهرٍ ثلاثة أيّامٍ». وذكر ابن القيّم أنّه ليس للإنسان أن يلزم طريقةً واحدةً مخترعةً في العبادة بحيث يراها لازمةً كلزوم الفرائض, فلا يخرج عنها, ويقدح فيمن خرج عنها ويذمه, أو يلزم مكاناً في المسجد للصّلاة لا يصلّي إلا فيه, واحتجّ بالحديث: «نهى النّبي صلى الله عليه وسلم أن يُوطِنَ الرّجل المكان في المسجد كما يوطن البعير».
4 - لزوم الغريم نوع من العقوبة ثبت في السنّة النّبويّة, فعن كعب بن مالكٍ رضي الله عنه: «أنّه كان له على عبد اللّه بن أبي حَدْرَد الأسلميّ دين فلقيه فلزمه فتكلّما حتّى ارتفعت أصواتهما ، فمرّ بهما النّبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا كعب وأشار بيده كأنّه يقول النّصف ، فأخذ نصف ما عليه وترك نصفاً». ويأخذ فقهاء المذاهب بعقوبة الملازمة, وجعلوها حقاً لصاحب الدّين, وقد تعرّض الحنفيّة لذلك في أبواب الحبس من كتاب القضاء, فلصاحب الحقّ أن يلزم غريمه حتّى يقضيه حقّه, وذكر ابن عابدين أنّ له ملازمته ليلاً ونهاراً, ولطالب الحقّ أن يلازم الغريم, وإن لم يأمره القاضي بملازمته, ولا فلّسه, وهذا إن كان مقراً بالحقّ, أو ثبت عند القاضي وأطلقه لإعساره, أو لم يكن ثمّة قاضٍ, والرّأي في الملازمة لصاحب الحقّ, إن شاء لازم المدين بنفسه ولو كره المدين ذلك, وإن شاء وكّل غيره بملازمته, فإن وكّل أحداً بملازمته لم يكن وكيلاً بالقبض ولا بالخصومة, ما لم يجعل إليه ذلك. وصفة الملازمة على ما يذكره الحنفيّة أنّه يلزمه في قيامه وقعوده, ولا يمنعه من الدخول إلى أهله, أو دخول بيته لطعام ونحوه. قالوا: ولا يلازمه في المسجد, على المذهب, ولا يقيمه في الشّمس, أو على الثّلج, أو في موضعٍ يضر به, ولا يمنعه من عملٍ يكتسب منه رزقه, بل يلازمه وهو يعمل, أو يعطيه نفقته ونفقة عياله ويمنعه من العمل. قالوا: وإن كان المدين امرأةً والطّالب رجلاً فله أن يلازمها حيث لا تخشى الفتنة, كالسوق ونحوه, أمّا حيث تخشى الفتنة فإنّه يوكّل امرأةً بملازمتها. وعند الشّافعيّة: لو أراد مستحق الدّين لزوم المدين بدلاً عن الحبس مكّن ما لم يقل تشق عليّ الطّهارة والصّلاة مع ملازمته, ويختار الحبس, فيجيبه القاضي إلى ذلك. وعند الحنابلة: يحرم مطالبة المعسر وملازمته ويجوز ملازمة الموسر المماطل إن خيف هروبه. وكذا عند المالكيّة يحرم ملازمة المعسر, قالوا: يحرم ملازمته بحيث كلّما يأتيه شيء يأخذ منه, لأنّ اللّه تعالى أوجب إنظار المعسر إلى الميسرة.
5 - يأتي اللزوم بمعنى الوجوب والتّحتم, قال الطوفيّ: الواجب هو اللازم المستحق.
اللزوم إمّا أن يكون بإلزام اللّه تعالى, أو إلزام الغير, أو إلزام المرء نفسه. وبيان ذلك فيما يأتي:
6 - يلزم العبد فعل ما أوجبه اللّه تعالى عليه من الفرائض والواجبات من العبادات عند وجود أسبابها, وتحقق شروط الوجوب, وانتفاء موانعه, وإذا فسدت لزم قضاؤُها. ويستتبع ذلك إلزامه بكلّ ما لا يتم الواجب إلا به, ممّا هو مقدور له, كالسّفر بالنّسبة للحجّ, والطّهارة بالنّسبة للصّلاة, وغير ذلك ممّا هو مبيّن في قاعدة " ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ". ويلزم المكلّف الكف عن كلّ ما حرّمه اللّه عليه من الأفعال.
7 - ممّن تلزم طاعته شرعاً, وتلزم تصرفاته على الغير, من يلي: أ - ولي الأمر, وهو الإمام الّذي صحّت ولايته شرعاً, فتلزم طاعته الرّعيّة, لقول اللّه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}, ونوّاب الإمام تلزم طاعتهم فيما أنابهم الإمام فيه, كأمير الجيش, والوالي, والمتولّي جباية الزّكاة. والطّاعة اللازمة هنا هي ما كان في غير معصيةٍ, فإن أمر بمعصية اللّه فلا طاعة له, لأنّ طاعة اللّه ألزم, ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. (ر: أولو الأمر ف 5). ب - القاضي الّذي ولاه الإمام الحكم بين النّاس, فما حكم به على إنسانٍ في خصومةٍ لزمه الحكم, وكذا إذا حجر على سفيهٍ أو مفلسٍ لزمته أحكام الحجر ، وإذا تصرّف في مالٍ ضالٍّ ببيع أو نحوه لزم تصرفه, وللقاضي إلزام النّاس بأحكام اللّه تعالى, كالكفّارات والنذور. (ر: قضاء ف 27). ج - الزّوج فيما يأمر به زوجته من المعروف. (ر: طاعة ف 10). د - التّصرف بالولاية الشّرعيّة, كتصرف الأبّ في مال ولده الصّغير أو المجنون بما فيه مصلحتهما, وتصرف الوصيّ كذلك. (ر: ولاية). هـ - التّصرف بالوكالة, فتصرفات الوكيل لازمة للموكّل فيما وكّله فيه. (ر: وكالة).
|